" ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به " رواه الطبراني . لم أجد أبلغ من هذا الحديث النبوي لأبدأ به بعد أن أصبحت مجاعة القرن الأفريقي وخاصة في الصومال عار على النظام العربي والإسلامي , قبل أن تكون فضيحة للنظام الدولي بكامله بعد أن فشل في توفير 1,6 مليار دولار لإنقاذ حياة 12 مليون شخص من الهلاك جوعاً .


المجاعة والجوع في التاريخ الإسلامي

أكتب لكم عن المجاعة والنظرة إلى الجوع في التاريخ الإسلامي المتهم بالرجعية من قبل الكثير من الغربيين والبعض من بني جلدتنا من المسلمين لتقارنوا وتحكموا بأنفسكم على الحاضرالموصوف بالرقي والتقدم وحقوق الإنسان , أكتب لكم عن العمريين عمر بن الخطاب الجد , وعمر بن عبدالعزيز الحفيد الذي كان ثمرة تزويج عمر بن الخطاب لابنه عبدالله من بنت بائعة اللبن التي رفضت غش اللبن بالماء لأن رب عمر يراها .


المجاعة في عهد عمر بن الخطاب

حدث جدب وقحط في عهد عمر بن الخطاب نتجت عنه مجاعة ضربت أرض الحجاز وهذه المجاعة عرفت بعام الرمادة , ويقال أنها سميت بهذا الاسم لتحول اسوداد الأرض إلى اللون الرمادي من قلة المطر , أو أن الريح كانت تسفي ترابا كالرماد , أو لأن ألوان الناس أضحت مثل لون الرماد , ومن شدة المجاعة وقسوتها كانت الوحوش تأوي إلى الإنس وأكل الناس جلد الميتة مشوياً , فاتخذ عمر رضي الله عنه العديد من المواقف والقرارات التي يحتذى بها مثل :

•الدعاء والتضرع والابتهال والاستغاثة بالله وحده لعلمه بأنه القادر على كشف الكربات .

•استسقاؤه عدة مرات لأن السنة إذا قحطت البلاد وأجدبت أن يفزع الناس لصلاة الاستسقاء التي شرعها لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم .

 

•طلب الغوث والإعانة من الأقاليم المجاورة بعد نفاذ جميع الموارد المحلية .

•قيام عمر بإرسال مشرفين على كل ناحية من المدينة يتلمسون له أحوال القوم وحاجاتهم ويجتمعون عنده كل مساء ليرتب معهم تقسيم المؤن والأطعمة على المنكوبين .

•مواساته للرعية في المجاعة بامتناعه عن أن يذوق اللحم والسمن واللبن إلا بعد أن يتذوقه عامة الناس وأخذ يأكل بالزيت حتى تغير لونه .


الجوع في مفهوم عمر بن عبدالعزيز

لقد كان عمر بن عبدالعزيز خامس الخلفاء الراشدين يأمر عماله بشراء القمح من بيت مال المسلمين لا ليعطوه للجياع من بني الإنسان لأن هذا أمر مفروغ منه , ولكن لينثروه على قمم الجبال حتى يأكل الطير من خير المسلمين , ولا يزال صدى كلمته الخالده " انثروا القمح على رؤوس الجبال لكي لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين " شاهداً على مدى تراجع القيم الإنسانية في العصر الحديث الذي يحلو للبعض وصفه بعصر حقوق الإنسان , في الوقت الذي مات فيه مئات الآلاف جوعاً والملايين ينتظرهم نفس المصير ولا يتم التحرك لإنقاذهم .

 

المجاعة وشهر الصيام

هل علينا شهر رمضان شهر الصيام والقرآن والقيام شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار فهنيئاً لنا بشهر الخيرات , ولا يفوتني أن أذكركم بأن إخوانكم في القرن الأفريقي دخل عليهم شهر رمضان وهم في صيام متواصل بسبب الجفاف الذي يعتبر الأكثر كارثية منذ المجاعة التي اجتاحت الصومال في 1991 و 1992 من القرن الماضي , لدرجة أن المراكز الغذائية الطارئة في شرق أفريقيا تعجز عن تلبية احتياجات آلاف الجوعى الذين يتدفقون عليها كل يوم , حتى أن الأمهات تضطر لترك أطفالهن الذين لقوا حتفهم أو يحتضرون على جنبات الطرق , وقال مسئولون في الأمم المتحدة أن المجاعة خلال الأشهر القليلة الماضية قتلت مئات الآلاف ووضعت 12 مليون شخص على حافة المجاعة .

 

فعلينا أن نتذكر جوع وعطش وفاقة وحرمان إخواننا في الصومال وكينيا وجيبوتي وغيرها من الدول الأفريقية عند الإفطار من الصيام , ولا نفكر فقط في ملأ البطون بما لذ وطاب من الطعام والشراب فتغيب العقول عن العبر والحكم التي شرع الله من أجلها الصيام .

كما أذكركم بأن الغاية من الصيام التقوى لقوله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون " البقرة 183 , فاتقوا الله في إخوانكم وهبوا لنجدتهم في هذا الشهر الكريم بكل ما يلزم من أموال وغذاء ودواء وحفر آبار للمياة , وأدعو الجهات الرسمية والجمعيات والمؤسسات الخيرية في العالمين العربي والإسلامي بالمبادرة في الوصول إلى المحتاجين وعدم انتظار المساعدات الدولية ليتحقق لنا معنى التقوى من الصيام .

Created By M2000 Studio

Valid XHTML 1.0 Transitional