لا يخفى على أحد الجدل المثار حول قرض صندوق النقد الدولي بين العلماء الشرعيين المحرمين للقرض والمجيزين له للضرورة، وبين الاقتصاديين المؤيدين للقرض والمعارضين له بسبب المزايا أو البلايا التي ستعود من وراءه، وبين السياسيين الرافضين للقرض لتدخل الصندوق في الشأن الداخلي عن طريق فرض شروط مسبقة واجبة التطبيق، والسياسيين الذين يرون أن صندوق النقد لا يفرض شروطاً مسبقة وأن مصر هي التي تقدمت ببرنامجها للإصلاح المالي والاقتصادي للصندوق وأن السياسة المالية شأن داخلي.

وسط هذا الجدل أُذكر بأن رئيس الحكومة الاسبانية مارياتو راخوي عندما صرح بأن اسبانيا تنتظر موقف البنك المركزي الأوروبي - بمعنى أن الحكومة الاسبانية تنتظر لترى حجم المساعدة ومدى ملائمة شروطها لها لتقرر إن كانت ستطلب المساعدة -أم لا- استنكر الخبير الاستراتيجي للأسواق العالمية أشرف العايدي تصريح رئيس الحكومة الاسبانية قائلاً المثل العربي يقول "الواحد لما يكون شحات ما يتشرط" وأضاف قائلاً البنك هو الذي يعطيك البرنامج للمساعدة، اسبانيا تحتاج للمساعدة وليس البنك المركزي الأوروبي، كيف يقول من يحتاج للمساعدة لن أقوم بإصلاحات إلا إذا شاهدنا ما سيقدمه البنك.

هكذا هي سياسة البنوك والصناديق التي تقرض الدول تقوم على فرض شروط مسبقة على الدول المقترضة فإن قبلتها وطبقتها حصلت على القرض، وإذا رفضتها لن تحصل على القرض، وهكذا هي نظرة الخبراء الماليين للدول المقترضة أنها دول "شحاته" وبلفظ متحضر دول تحتاج للمساعدة، وذلك بصرف النظر عن كونها دول متقدمة أو نامية.

القرض شر لا بد منه رئيس الوزراء المهذب د. هشام قنديل لم يتردد في أن يعلن للشعب المصري بكل صراحة وشفافية بعد اجتماعه مع مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد أن: " القرض شر لا بد منه "، هذا التصريح المقتضب يحمل في طياته الكثير من المرارة، ويعبر عن حقيقة شعور رئيس الوزراء تجاه قرض صندوق النقد الدولي، وتجاه الاقتراض الداخلي أيضاً من النواحي الشرعية والاقتصادية والسياسية.


الناحية الشرعية:

عندما يتحدث رئيس الوزراء بأن القرض شر لا بد منه، وفي برنامج تليفزيوني آخر يوضح أن الاقتراض من صندوق النقد بـفائدة 1، 1% والاقتراض الداخلي بـفائدة 16% فهو بذلك يشير ضمناً إلى شر الفائدة الربوية، وأنه يجتهد في تطبيق القاعدة الشرعية في الأخذ بأخف الضررين.


الناحية الاقتصادية:

رئيس الوزراء يعرف أكثر من غيره بحكم منصبه واطلاعه على البيانات أن هناك عجز بالموازنة بلغ حوالي 140 مليار جنيه مطلوب تمويل سداده، كما أن هناك عجز في ميزان المدفوعات، وانخفاض في الاحتياطي النقدي الأجنبي، ويعرف أيضاً أن الموازنة العامة لا تتسم بالمرونة لأن 25% تذهب للأجور، 25% أعباء خدمة الدين، 25% لدعم الطاقة والخبز والسلع الأساسية، ولا يتبقى إلا 25% يتم توزيعها بين الصحة والتعليم والإسكان والثقافة والخدمات وأوجه التنمية المختلفة، كما يعرف أن أخذ قروض جديدة يعني تحميل الموازنة العامة بمزيد من الأعباء الإضافية، وفيه ظلم للأجيال القادمة.


الناحية السياسية:

رحم الله الشيخ الشعراوي حين قال: "الذي لا يأكل من ضربة فأسه لا يملك قراره من رأسه". الخبرة العالمية تؤكد على أن الدول التي طبقت شروط صندوق النقد الدولي لكي تتمكن من الحصول على قروض مثل الأرجنتين والبرازيل والمكسيك وأندونيسيا والسودان وغيرها الكثير من دول العالم تعرضت لاضطرابات سياسية، وازداد وضعها الاقتصادي سوءاً، وتكاثرت أزماتها المالية، وتجربة مصر السابقة مع صندوق النقد الدولي ما زالت ماثلة في الأذهان فقد رفض صندوق النقد الدولي عام 1956 تمويل مشروع السد العالي رغم أهميته للاقتصاد المصري استجابة للموقف الأمريكي الرافض لوصول مصر إلى استقلال اقتصادي حقيقي يمنحها استقلال سياسي يناهض التوجه السياسي الأمريكي في المنطقة.


بدائل الاقتراض من صندوق النقد الدولي:

السؤال الذي يطرح نفسه هو إذا كان رئيس الوزراء يعرف ما تقدم وأكثر فلماذا يوافق على الشر ولا يأخذ بالبدائل المطروحة عليه من الاقتصاديين على اختلاف توجهاتهم الفكرية؟ ومن هذه البدائل وهي كثيرة فرض ضرائب تصاعدية، التقشف وترشيد الإنفاق الحكومي، تخفيض الدعم، رفع سعر الكهرباء على المشروعات كثيفة الاستخدام للطاقة وعلى المنشآت السياحية 5 نجوم، إنشاء صندوق وطني لدعم المشروعات الصغيرة، تطبيق الحد الأقصى للأجور، تشجيع الاستثمار الأجنبي، تحفيز المصريين العاملين بالخارج على تحويل أموالهم لمصر.

الإجابة عن هذا السؤال ببساطة هي أن بعض البدائل المطروحة معتبرة ولها القدرة على حل مشاكل الاقتصاد المصري على المدى الطويل، ولكنها في المدى القصير ليس لها القدرة على سد عجز الموازنة، وزيادة رصيد الاحتياطي النقدي الأجنبي اللازم لاستمرار الدولة في توفير الواردات السلعية من الخارج، وهي المشاكل الاقتصادية التي تضغط على متخذ القرار نحو اللجوء إلى الاقتراض.

كما أن بعض البدائل المطروحة كالضرائب الأصل فيها من الناحية الشرعية هو عدم الجواز، ويستثنى من هذا الأصل حالات الضرورة والحاجة الملحة للدولة، وبشرط أساسي عدم كفاية حصيلة الزكاة المفروضة، ومن الناحية الاقتصادية الضرائب التصاعدية على الدخل والأرباح تعيق الاستثمار والإنتاج والتصدير، أما التقشف وتخفيض الدعم على السلع المعيشية لشعب يقبع 40% من سكانه تحت خط الفقر ولا يحصلون على حاجاتهم الأصلية التي تكفي معيشتهم يؤدي إلى اضطرابات سياسية وأمنية واجتماعية مصر في غنى عنها في الوقت الراهن.

في هذا السياق يكون تصريح رئيس الوزراء "القرض شر لا بد منه" هو بمثابة طلب المعذرة من الشعب المصري للحكومة التي يرأسها في حال قبولها قرض صندوق النقد الدولي بالشروط التي أعلنتها مديرة الصندوق في المؤتمر الصحفي بتاريخ 22/8/2012 من أنه "سيكون هناك برنامج إصلاح مالي واقتصادي على المدى القصير والآخر على المدى الطويل، وستتم مراقبة الموازنة العامة للدولة على فترات مختلفة لرصد عملية إصلاح تلك الموازنة"، ومعذرته في ذلك أن البدائل المطروحة لا تغني عن القرض.

القرض الحسن سيادة رئيس الوزراء أتفق معك من الناحية الاقتصادية على أنه لسد عجز الموازنة وزيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي في المدى القصير لا بديل عن الاقتراض، ولكن شتان بين قرض وقرض، فالقرض الذي أعنيه هو القرض الحسن الذي شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده ليتقربوا به إليه لما فيه من الرفق بالناس، والرحمة بهم، وتيسير أمورهم، وتفريج كربهم.

الإسلام جعل القرض الحسن مندوباً ومحبباً فيه بالنسبة للمُقرض، ومباحاً بالنسبة للمقترض ففي القرأن الكريم العديد من الآيات التي تحث عليه كقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 245]. وجاء في قول رب العزة في حديثه القدسي معاتباً عبده يوم القيامة: «عبدي، مرضت فلم تعدني فيقول كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ فيقول: لقد مرض عبدي فلان فلم تعده ألم تعلم أنك لو عدته لوجدتني عنده، عبدي، استطعمتك فلم تطعمني فيقول كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ فيقول: لقد استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه ألم تعلم أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، عبدي استقرضتك فلم تقرضني فيقول كيف أقرضك وأنت رب العالمين؟ فيقول ألم تعلم أنك لو أقرضته لوجدت ذلك عندي» [شرح العقيدة الواسطية].

وفي الحديث النبوي: " عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ قَالَ لأنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ وَالْمُسْتَقْرِضُ لا يَسْتَقْرِضُ إِلا مِنْ حَاجَةٍ» [صحيح ابن ماجه].


أهداف المبادرة ومرتكزاتها:

بداية أود توضيح أن الهدف من مبادرة القرض الحسن ليس حل مشكلة وقتية فحسب، ولكن الهدف الأساسي منها هو وقف حرب الله ورسوله علينا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ . فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278- 279]، ثم الامتثال لأوامره بتطبيق العبادة المالية الزكاة، وتفعيل الوقف ليقوم بدوره التكافلي التنموي، وتهدف أيضاً إلى أن ترى قواعد ومبادئ الاقتصاد الإسلامي المستمدة من ديننا وأعرافنا وأخلاقنا وحضارتنا وتجاربنا التاريخية النور، وأن تصبح هذه القواعد والمبادئ ركيزة تحقيق نهضة وتنمية شاملة اقتصادية واجتماعية وثقافية..باستخدام الإمكانيات والموارد الذاتية أو التي لدى الغير بالوسائل التي شرعها الإسلام من بيع وإجارة ومشاركة وقرض حسن وغيرها، وأن يكون توزيع عوائد التنمية على أفراد المجتمع على أسس من العدالة والكرامة التي كفلها الله للإنسان.

مبادرة القرض الحسن ممتدة لسنوات حتى تتحقق التنمية، وهي تجمع بين الوسيلة التكتيكية لإيجاد بديل لقرض صندوق النقد في المدى القصير، وبين خطة استراتيجية تهدف إلى تحقيق تنمية مصر علي المدى الطويل، وذلك دون تحميل الموازنة العامة بأي أعباء إضافية، بذلك تختلف مبادرة القرض الحسن في الهدف والوسيلة عن المبادرات المطروحة لإيجاد بديل لقرض صندوق النقد وآخرها مبادرة وديعة الكرامة، التي ذكر الكثير من خبراء المال والأعمال أنها تعتمد على إطلاق منتجات تجزئة مصرفية وأوعية ادخارية ذات عائد يرتبط بأعلى سعر للفائدة!!

وهو ما يعني تحميل الموازنة العامة بأعباء إضافية تفوق أعباء الاقتراض من صندوق النقد!! والأهم من ذلك هو المخالفة الشرعية التي سببت الجدل المثار حول قرض صندوق النقد.مبادرة القرض الحسن قوامها ثروة بشرية 91 مليون نسمة، حجم ودائعها لدى البنوك يصل إلى 1، 2 تريليون جنيه، 55% من إجمالي هذه الودائع لم يتم توظيفها أي أن هناك ما يقرب من 700 مليار جنيه معطلة لا يتم الاستفادة منها، ومع هذا تحصل البنوك على فائدة عنها من البنك المركزي بمعدل 8، 25% بنظام الكوريدور -سعر فائدة الإيداع للبنوك لدى البنك المركزي لليلة واحدة- من دون جهد أو تشغيل حقيقي أو تنمية للاقتصاد القومي.

الثروة البشرية بما تملكه من قدرات عقلية وبدنية ومالية هي القادرة على تحقيق المشاريع القومية في وقت الأزمات، ولا يستطيع رئيس دولة أو حكومة مهما كانت قدراتهما من إنجاز أي مشاريع قومية بدون المشاركة الحقيقية والعون الصادق والفاعل من كافة أبناء الوطن، ولأن سيادة الرئيس محمد مرسي يدرك هذا الأمر قال للشعب في أول خطاب له بعد انتخابه مقولة سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني".

والقرآن الكريم يؤكد على هذا المعنى في قصة ذي القرنين الرجل الصالح القوي الأمين صاحب الخبرات والكفاءات الذي طاف العالم وملأت سمعته الآفاق، وعندما وصل به المطاف إلى قوم يعانون من الفساد ويعجزون عن مقاومته وطالبوه بأن يكون قائداً لهم هم الذين عرضوا عليه الأموال مقابل أن يقودهم ويخلصهم من المفسدين كما في قوله تعالى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} [الكهف: 94]، فما كان من ذي القرنين إلا أن وجههم إلى إن يوحدوا جهودهم ويعملوا معه جميعاً بقوة ليعينوه في بناء السد كما جاء في قوله تعالى: {قَالَ مَا مَكَّنَنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} [الكهف: 95].

من هذا المعنى القرآني الذي نؤمن به، ومن منطلق الكرامة التي ثار المصريون من أجل استردادها أُذكر الشعب المصري العظيم بأنه ليس من الكرامة أو المروءة أن يترك الإنسان الذي يملك المال أباه يستجدي القرض من الغير، فما بالك وإن كان الذي يقترض أباك وعمك وأخاك وابنك وحفيدك وجيرانك وأنت أيضاً لأن الدولة تقترض باسمنا جميعاً على الرغم من أننا كأفراد أموالنا معطلة في البنوك، والأشد من ذلك إيلاماً وإهداراً للكرامة هو أننا إذا قررنا أن نقف بجوار أهلنا لنمنع عنهم هذا الشر الذي لا بد منه أقرضناهم بفائدة أعلى من التي سيقترضون بها من الغير!! فهل هذا من الكرامة في شيء؟.

مبادرة القرض الحسن بعد عرض الأهداف والمرتكزات يشرفني أن أتقدم بمبادرة القرض الحسن لتحقيق تنمية مصر إلى الشعب المصري العظيم، وإلى سيادة الرئيس الذي منّ الله به علينا ووفقه لأن يعلن أنه سيتقي الله فينا لأنه يخشى يوماً يرجع فيه إلى الله، وإلى رئيس الوزراء المهذب الذي يجتهد بشتى الطرق لحل المشاكل الوقتية المُلحة، مطالباً جميع المصريين أصحاب الكرامة والهمم العالية الذين أبهرت ثورتهم العالم أجمع بسلوكياتها المتحضرة، أن يتبنوا هذه المبادرة التي لن تنقص من أموالهم شيئاً لأنها ستُرد إليهم كاملة في الوقت الذي يحددونه عند الإقراض، وفوق ذلك سيحصلون من وراءها على الأجر العظيم من الله في الآخرة، وينعمون هم وأولادهم وأحفادهم بنتائجها التنموية في الدنيا.

مبادرة القرض الحسن بسيطة للغاية ولا تتطلب أي ترتيبات معقدة حيث أنها تعتمد على أن تقوم الحكومة بطباعة نموذج لعقد قرض حسن يتضمن بيانات عن الاسم والرقم القومي والمبلغ الذي يريد المقُرض إقراضه للدولة ونوع العملة وتاريخ استرداد القرض، وأن تقوم الدولة بفتح حساب برقم موحد في جميع البنوك تُحول عليه الأموال، وتتعامل الحكومة مع هذه الأموال معاملة أي قرض تحصل عليه سواء من جهات دولية أو محلية، على أن يتم استخدام الأموال في شتى المجالات الاقتصادية بالطريقة التي تُمكن الدولة من التنمية وحل مشاكل المواطنين.

المُقترح هو أن يُقدم كل مصري بالخارج والداخل من أصحاب الدخول المرتفعة عن طيب خاطر قرض حسن للدولة قدره 10000 دولار للمصريين بالخارج، 50000 جنيه للمصريين بالداخل، تقدير المبلغ المقترح لا يمنع من أن يدفع كل مقرض أكثر أو أقل حسب مقدرته المالية ليتمكن جميع المصريين من المشاركة في تنمية وطنهم، مع تحديد تاريخ استرداد القرض على ألا تقل مدة القرض عن سنة ولا تزيد عن خمس سنوات، وأناشد الجميع إطالة المدة حتى يكون هناك مساحة لدى الحكومة للاستفادة من الأموال في التنمية وتحقيق عوائد..

وأرجو من الذين ليس لديهم القدرة على الإقراض أن يساهموا بدعوة غيرهم من القادرين، وأن يكون لديهم النية الصادقة للإقراض إذا توفرت لهم الإمكانية ليحصلوا على الثواب من الله مصداقاً لقوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 91].

تقديرات لحجم الأموال التي يوفرها القرض الحسن أتصور أن مبادرة القرض الحسن للمصريين في الخارج والداخل من الممكن أن توفر أكثر من 32 مليار دولار، وأكثر من 345 مليار جنيه، وذلك باعتبار أن عدد المصريين بالخارج 8 مليون، وعدد المصريين بالداخل 83 مليون وفقاً لأحدث إحصاء للتعداد السكاني.

وبفرض أن 25% من العاملين بالخارج من مرتفعي الدخل وسيقرض كل منهم 10000 دولار، 25% دخلهم فوق المتوسط وسيقرض كل منهم 5000 دولار، 25% من متوسطي الدخل وسيقرض كل منهم 1000 دولار، 25% لا تسمح ظروفهم بالإقراض. وبفرض أن 5% من المصريين بالداخل من مرتفعي الدخل وسيقرض كل منهم 50000 جنيه، 5% من أصحاب الدخل فوق المتوسط وسيقرض كل منهم 25000 جنيه، 40 % من متوسطي الدخل وسيقرض كل منهم 1000 جنيه، 50% لا تسمح ظروفهم بالإقراض.

قد يتصور البعض أن المبادرة مجرد فكرة اقتصادية جميلة ولكنها غير مجدية على أرض الواقع وأن التنمية الاقتصادية تعتمد بالأساس على موارد الدولة، وهذا صحيح في ظل الظروف الطبيعية أما في الظروف الاستثنائية وأوقات الأزمات لابد للدولة من أن تستعين بموارد مواطنيها، ويكفي أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذهب للمدينة وجد أن المسلمين بحاجة إلى المياة "مشروع قومي" قال: «مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلاءِ الْمُسْلِمِينَ»، فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ رضي الله عنه" [رواه البخاري].

وكذلك حث الصحابة رضوان الله عليهم على تجهيز جيش العسرة دون أن يفرض عليهم ضرائب، وإيماناً مني بهذا المنهج النبوي في تحفيز همم الأفراد للاستفادة من مواردهم المالية في تنفيذ المشاريع القومية، يسعدني أن أكون أول من يتقرب إلى الله بتقديم قرض حسن بـ 10000 دولار، 50000 جنيه على أن تكون مدة القرض 5 سنوات.

وأسأل الله أن يشملني قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].

في ختام هذه المبادرة أتوجه لسيادة الرئيس د. محمد مرسي، ولرئيس الوزراء د. هشام قنديل مطالباً بإلغاء الفائدة على ودائع البنوك، وعدم الالتفات إلى المزاعم التي يرددها البعض من أن إلغاء الفائدة سيؤدي إلى سحب الأموال من البنوك ويضر بالاقتصاد، ويؤدي إلى ضياع منافع تعود على الدولة والأفراد، وهذه كلها أوهام لأن معظم دول العالم بعد الأزمة المالية العالمية خفضت معدلات الفائدة إلى مستويات تكاد تقترب من الصفر ولم تنسحب الأموال ولم يتضرر الاقتصاد، بل إن قرارات تخفيض الفائدة كانت بغرض تحسين الأداء الاقتصادي، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 28].


عبد الفتاح صلاح

Created By M2000 Studio

Valid XHTML 1.0 Transitional