التشخيص السريع والصحيح للمرض هو أهم نقطة في تحديد العلاج الناجح والناجع , هذا الأمر لا يقتصر على الأمراض العضوية فحسب لكنه مطلوب لكل أمراض ومشاكل الحياة التي تحتاج إلى علاج , ومنها الحالة السياسية المصرية الملتبسة والمستعصية على الفهم والعلاج , وقبل البدء في تشخيص الحالة السياسية المصرية من المهم تقديم معاني لهذه الكلمات.

الهاوي: من يعشق نوعاً من الرياضة أو العمل يزاوله على غير احتراف ويكون مولعاً بهوايتة دون أن يتخذها سبيلاً للارتزاق .

الحاوي: الذي يجمع الحيات ويربيها ويقوم بأعمال وحيل عجيبة أمام الناس لإبهارهم أو إخافتهم ليحصل منهم على المال للارتزاق .

بناء الدولة: هو إنشاء مؤسسات حكومية جديدة وتقوية الموجود منها لتؤدي دورها في تحقيق الأهداف المشروعة للشعوب التي تحكمها .

-------------------------
تشخيص الحالة السياسية المصرية
-------------------------

لتشخيص الحالة السياسية المصرية يجب الرجوع بالذاكرة إلى الوراء لرؤية حقيقة أننا عشنا على مدار ثلاثين عاماً تحت نظام حكم دكتاتوري أراد الاستمرار في الحكم وتوريثه فعمل على تجريف الحياة السياسية وإقصاء المعارضين له فأعطى لجنة الأحزاب التابعة للحزب الحاكم الحق في رفض إقامة أي أحزاب سياسية جديدة , وترك لتقارير الأمن إكمال باقي المهمة في استبعاد المعارضين الذين يريدون ممارسة السياسة كمستقلين , وإذا بقي أحد يريد المغامرة فتزوير الانتخابات والبلطجية في انتظاره , وبهذه الطريقة مُنع كل وطني مخلص مهما كانت كفاءته من ممارسة السياسة أو الاقتراب من دائرة الحكم ناهيك عن دخولها . 

بقاء نظام الحكم الدكتاتوري لفترة طويلة أدى إلى وجود دائرة محدودة تحتكر ممارسة السلطة وليس السياسة يعاونها دائرة أوسع من كبار أعضاء الحزب , ولجنة السياسات التي لا تعرف غير ممارسة سياسة توريث الحكم عن طريق إقصاء المعارضين , أما باقي أعضاء الحزب وهم الأكثرية فمنضمين للحزب ليتمكنوا من تحقيق بعض مطالبهم الحياتية لا لممارسة السياسة , وهؤلاء يستغلهم الحزب في إظهار شعبيته ويستكمل بهم ديكور الديمقراطية المزيفة . 

الديمقراطية المزيفة جعلت المعارضين الموجودين في الساحة مجرد هواة سياسة وليسوا سياسيين مارسوا السياسة وخبروها , لذا لم يدركوا أو يتخيلوا أن هناك دولة عميقة يديرها حواة السياسة من رموز النظام السابق يعاونهم ويدعمهم بعض رجال الأعمال الفاسدين المحسوبين على النظام , هذه الدولة العميقة تضم أصحاب مناصب حكومية تتحكم في مفاصل الدولة , ومستشارين كبار يعملون ترزية قوانين , ورجال صحافة وإعلاميين وظيفتهم نشر الأكاذيب وتشويه الحقائق , ومحترفي تزوير انتخابات لضمان بقاء النظام , وجيش من البلطجية لنشر الفوضى وزعزعة الأمن ليكره الشعب الثورة أو من يطالب بالإصلاح ومحاسبة المفسدين . 

---------------
التخبط عنوان المرحلة
---------------

حواة السياسة يحاولون بشتى الطرق والوسائل إجهاض عملية التحول الديمقراطي بمنع الدستور من الصدور , ووقف بناء مؤسسات الدولة المنتخبة , وهدم ما تم بناؤه منها باستصدار أحكام قضائية ذات طابع سياسي تهدر إرادة الشعب التي هي فوق كل إرادة , وهواة السياسة من رفاق الثورة بالأمس بدلاً من أن يشتبكوا مع حواة السياسة لإبطال مخططاتهم في خلق حالة من الفوضى , إذا بهم يدخلون في صراع خاطئ مع الرئيس الشرعي المنتخب بهدف إقصائه أو إفشاله لزيادة فرصهم في تصدر المشهد السياسي , وهكذا أصبح التخبط من الجميع عنوان المرحلة وسط تراجع الاهتمام بتحقيق مطالب الجماهير الضرورية لحياتهم اليومية . 

يجب إدراك حقيقة أن جميع هواة السياسة على اختلاف توجهاتهم ودون استثناء مصريين وطنيين وليسوا بلطجية , ومن غير المقبول استخدام لغة التخوين أو الصدام أو الإقصاء فيما بينهم لمجرد وجود تخبط في بعض القرارات والمواقف ناتج عن أسباب بعضها طارئ وخارج عن الإرادة وبعضها الآخر ناتج عن سوء تقدير للمواقف أو نقص في الخبرات السياسية , ومع عدم إعفاء أحد من هواة السياسة من مسئوليته عن التخبط في هذه المرحلة الحساسة من مراحل التحول الديمقراطي يجب التماس المعذرة لهم وذلك لأنهم كانوا مغيبين عن الحياة السياسية أو ممنوعين من المشاركة فيها خلال الستين سنة الماضية . 

------------
ضرورة المصارحة
------------

المصارحة تتطلب أن نذكر بأن الأزمة الراهنة والفوضى العارمة التي يدعوا إليها البعض ليس سببها الإعلان الدستوري الصادر في 21 نوفمبر , ولا مشروع الدستور الذي أعدته اللجنة التأسيسية المنتخبة لكتابة الدستور , يؤيد ذلك التصعيد المستمر من المعارضة رغم إلغاء الإعلان الدستوري وإصدار إعلان جديد يتضمن طرح الدستور على الشعب صاحب السلطة ليقول كلمته فيه , ويضع خارطة تفصيلية للإجراءات السياسية الواجبة الاتباع في حالة التصويت بنعم لإقرار الدستور , وأخرى بديلة في حالة التصويت بلا لرفض الدستور .

الأزمة الراهنة جذورها عميقة تتعلق بأن الأطياف السياسية الليبرالية والعلمانية والمدنية وغيرها من الأطياف التي كانت تنادي بالديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الانتخابات تخلت عن مبادئها الديمقراطية , وقررت الاستمرار في اتباع سياسات النظام السابق في إقصاء التيار السياسي ذو المرجعية الإسلامية من الحياة السياسية والعامة وخاصة بعدما ظهرت شعبية هذا التيار في نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مارس 2011 , وبدأ التصعيد يتزايد بعد النجاح المذهل للتيار السياسي ذو المرجعية الإسلامية في الانتخابات التشريعية , وبلغت ذروة التصعيد مع إعلان فوز مرشح الإخوان المسلمين برئاسة الجمهورية .

فوز الرئيس محمد مرسي جاء على غير هوى دعاة الديمقراطية ففقدوا صوابهم ووقعوا في المحظور فحولوا الصراع السياسي إلى صراع بين المدني والديني , وتحولوا من قوى معارضة لسياسات الرئيس والتيار الذي جاء منه إلى قوى مناهضة للرئيس ولا تعترف بشرعيته وعلى استعداد للتحالف مع الفلول بل والتضحية بالثورة ذاتها للتخلص من خصمهم السياسي المشترك الرئيس محمد مرسي , فالجمعية الوطنية للتغيير أصدرت بياناً تدعوا فيه القوات المسلحة والشرطة والقضاء والإعلام للعمل على حماية الثورة من الرئيس المنتخب ! , وجبهة الإنقاذ الوطني التي يتزعمها الدكتور البرادعي وتضم مرشحي الرئاسة السابقين وغيرهم من كارهي التيار السياسي ذو المرجعية الإسلامية تدعو من مقر حزب الوفد لعدم الاعتراف بمرسي رئيساً للبلاد , وبدء تنفيذ عصيان مدني على جميع أنحاء البلاد , والزحف إلى مقر الاتحادية لاسقاط شرعيته متناسين أن الرئيس مرسي لم يدخل قصر الرئاسة على سطح دبابة وإنما دخله بنتيجة صناديق انتخابات ديمقراطية ولا تنتزع شرعيته إلا بصناديق الانتخابات . 

المصارحة تتطلب أيضاً أن نذكر بأن بعض أحزاب التيار السياسي ذو المرجعية الإسلامية وقعوا في المحظور بتحويلهم الاستفتاء على تعديل بعض مواد الدستور من صراع سياسي فيه الصواب والخطأ إلى صراع ديني فيه حلال وحرام , وأخطأوا حين أطلقوا التعميم في وصف المعارضين والمخالفين لهم في الرأي من الليبراليين واليساريين بأنهم ضد الدين وملاحدة وخونه وعملاء يتلقون الدعم من الخارج دون تقديم أدلة مادية على ذلك متناسين أن هؤلاء شركاء في الثورة , هذه المصارحة ضرورية حتى لا يدعي أحد أنه أفضل من الآخر . 

-----------------
الحوار أساس بناء الدولة 
-----------------

انتهى التصويت على الدستور وقال الشعب المصري صاحب السلطة ومصدرها كلمته واختار إقرار الدستور بنسبة 63,8% , وأصبح لزاماً على القوى السياسية المؤيدة والمعارضة للدستور أن تمتثل للإرادة الشعبية وترتفع فوق المصالح الشخصية والحزبية والخلافات السياسية ويصطفوا في شراكة حقيقية من أجل الوطن لا غير , ويستمع الجميع لصوت العقل ويجلسوا على مائدة الحوار المجتمعي الموضوعي الجاد وبدون شروط مسبقة للتوصل إلى توافق ينهي حالة الانقسام والاستقطاب حتى يمكن استكمال بناء باقي مؤسسات الدولة , والسير قدماً نحو وضع خطة عاجلة للنهوض بالاقتصاد , وبذلك يتحول الجميع من هواة سياسة إلى سياسيين حقيقيين هدفهم إعلاء مصلحة الوطن وتحقيق مطالب الثورة , ونربأ بالمعارضين لكل شيء الذين يرفضون الرئيس الشرعي المنتخب , والدستور , والحوار المجتمعي , ويعملون على تعطيل وهدم ما تم بناؤه من مؤسسات لمجرد كرههم لتيار الإسلام السياسي من أن يتحولوا من هواة سياسة إلى حواة سياسة ودعاة فوضى تخدم الثورة المضادة عن قصد أو عن جهل , فيلفظهم هذا الشعب الواعي المتدين بفطرته الذي قال نعم للدستور من أجل الاستقرار الذي لن يتحقق إلا بالحوار إن آجلاً أو عاجلاً مهما تصور البعض غير ذلك , فلا تضيعوا فرصة الحوار فيضيع معها الوطن , اللهم قد بلغت اللهم فاشهد .

Created By M2000 Studio

Valid XHTML 1.0 Transitional